ملتقى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها [fr]

كلمة السيد برنارد إميي
السفير، الممثل السامي للجمهورية الفرنسية في الجزائر
ملتقى اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها
فندق الهيلتون - الجزائر العاصمة - الأحد 29 نوفمبر 2015

سيدي الرئيس،
سيداتي سادتي السفراء،
سيداتي سادتي،

إنه لشرف عظيم بالنسبة لي أن أتكلم اليوم أمامكم في موضوع حقوق الإنسان والبيئة، فهي مواضيع رئيسية بالنسبة للديبلوماسية الفرنسية.

يسرني أن سنحت لي الفرصة للحديث عن هذا، عشية الدورة 21 لمؤتمر الدول الأطراف حول التغيرات المناخية التي سيفتتحها غدا رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند في بورجي، بحضور أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة من كل دول العالم وخصوصا الوزير الأول سلال.

طموحنا لهذه الطبعة 21 هو الوصول إلى اتفاق طموح وملزم قانونيا حول البيئة، يسمح لنا بالحد من الاحتباس الحراري، بمعدل درجتين 2° إلى غاية نهاية القرن مقارنة بالمرحلة ما قبل الصناعية، والحفاظ على كوكبنا. لهذا كان علينا الإبقاء على هذا اللقاء التاريخي بالرغم من الأحداث المأساوية التي شهدها بلدي والتي تعرفونها. لا يمكننا الرضوخ أمام الإرهاب ولا التخاذل أمام هذه الوضعية الطارئة.

لقد حان الوقت لأن نعمل على القضاء على ظاهرة التغيرات المناخية وبشكل عام الحفاظ على البيئة، كل واحد في العالم متيقن اليوم من هذا الطارئ. قبل 13 سنة، صرح جاك شيراك، رئيس الجمهورية آنذاك، بمناسبة مؤتمر "قمة الأرض" في جوهانسبرغ : "منزلنا يحترق ونحن ننظر في الاتجاه الآخر". هذه العبارة لا تزال في ذاكراتنا اليوم، فإن خرجنا من قمة باريس دون أي نتيجة، سننظر إلى منزلنا وهو يحترق ولا نعرف كيف نطفأ النار. إن هذه المسألة تخص الجميع، المواطن العادي والمجتمع المدني ورجال الأعمال والموظفين ورجال القانون والمسؤولين السياسيين أيضا.
إنها مسألة تخص الإنسان فهي تهدد مستقبله وحقوقه.

أؤكد مجددا على أهمية القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند بالإبقاء على انعقاد الدورة 21 لمؤتمر الأطراف بعد هجمات 13 نوفمبر، إذ صرح "واجبنا نحو أبناءنا أكثر من أن نوفر لهم عالما متحررا من الإرهاب، علينا أن نحمي كوكبنا من أخطاءنا وأن نبني مستقبلا ملؤه الأمل والتقدم، موضوع الدورة 21 لمؤتمر الأطراف هو الإنسانية".
اللجنة الفرنسية الاستشارية لحقوق الإنسان، نظيرتكم الفرنسة، تعتبر أن حقوق الإنسان يجب أن تكون العمود الفقري لسياسة التنمية وحماية البيئة، فمسائل التنمية والبيئة وحقوق الإنسان مترابطة فيما بينها.

أولا، ترابط ملموس : احترام حقوق الإنسان وحمايتها وتطبيقها وهذا يشكل أحد عوامل التنمية المستدامة وبيئة صحية. في المقابل، خرق حقوق الإنسان تتضاعف حسب مستوى التنمية وتدهور البيئة مع أثر أكبر على المجموعات الضعيفة لاسيما الفقراء.

التغيرات المناخية تولّد عدة خروقات لحقوق الإنسان لا سيما فيما يخص الوصول إلى الماء والفلاحة والكهرباء والسكن الملائم. شعوب كاملة ترى نمط حياتها وثقافتها مهددان بسبب تغير مناخهم وأحيانا يضطرها الأمر للهجرة مع كل مخلفاتها البشرية والسياسية والأمنية أيضا. جون لويس بورلو، رئيس مؤسسة "طاقات من أجل أفريقيا" صرح في الجزائر العاصمة قبل بضعة أيام "حصول الجميع على الكهرباء هو حق من حقوق الإنسان الأساسية فذلك يسمح بالوصول إلى الحقوق الأساسية الأخرى كالماء و الماء الشروب والصحة والتربية والشغل والأمن. علينا أن نتحرك من أجل أن يكون النور من حق الجميع لأن الظلام غالبا ما يقود إلى الظلامية".

ثانيا، ترابط قانوني : للإنسان حق في التنمية وفي بيئة صحية، ماذا يبقى للإنسان من حقوق إذا كان مستقبله مهددا ؟ حماية البيئة هو حق للأجيال السابقة، الحالية والمستقبلية وواجب على الدول والمنظمات الدولية. ليس لدينا الحق في الفشل فنحن أمام رهانات عظمى، والجزائر تقدّر ذلك تمام التقدير.

الجزائر بلد معرض بشكل خاص للمشاكل المناخية. فالتصحر واستنزاف التربة ونقص الموارد المائية سرعوا من ظاهرة النزوح الريفي وتكثف السكان في شمال البلاد، كما أن الجزائر عرفت أحداثا مأساوية كفيضانات الجزائر العاصمة سنة 2001 والتي خلفت خسائر بشرية ومادية معتبرة. لقد قررت الجزائر أن تنشر مطلع شهر سبتمبر بعد مشاورات وطنية واسعة مساهمتها الوطنية الطموحة بل وقررت مساعدتنا لدى الشعوب العربية والإفريقية للتحضير لهذا المؤتمر التاريخي في أحسن الظروف.

لابد لنا أن نتحرك إزاء هذا الوضعية.

علينا أن نتحرك على أساس القانون، فمن الضروري أن نتكلم عن الحقوق وعن الواجبات. عبر إدراج هذه الضرورة في صيغة قانونية نعطيها واقعا ونوفر لكل شخص إمكانية التحرك للحفاظ على البيئة، الأمر يتعلق بخلق قانون ملزم للبيئة في كل الدول وعلى المستوى العالمي. فكما قال رئيس الجمهورية في حواره هذا الأسبوع مع مجلة "ليكسبرس" : "الإنسان عدو نفسه، والإرهاب يذكرنا بهذه الحقيقة. الحل بين أيدينا لنكون في مستوى تاريخنا ونبني مستقبلنا".
لابد إذا من التحرك على مستوى تشريعات الدول، وانتم كهيئة استشارية مسؤولة عن حقوق الإنسان لديكم دور رئيسي لتقديم الاستشارات للجزائر في هذا المجال. يجب أيضا التحرك على المستوى العالمي لتجسيد عالمية هذا الحق في بيئة مصونة لأن الظواهر المناخية والتلوث ليس لها حدود.

لهذا طلب الرئيس فرانسوا هولاند من الأستاذة كورين لاباج، وزيرة بيئة سابقة ومختصة في قانون البيئة، أن تحرر بيانا لحقوق الإنسانية، نص قصير تم نشره يهدف إلى تكريس "حق جميع سكان الأرض في العيش في عالم مستقبله ليس مهددا بلامبالاة الحاضر" كما سيتم تقديمه أثناء مؤتمر الأطراف للمصادقة عليه من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2016.

هنا تكمن أهمية المصادقة على نص قانوني ملزم خلال هذا المؤتمر، فكما أكد عليه مؤخرا وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية لوران فابيوس الذي يرأس المؤتمر "لم نجتمع في باريس للحديث فقط، نحن هنا لاتخاذ قرارات، قرارات قانونية ملزمة. لا يمكننا تحويل الوعي والمواقف إلى حقيقة إلا من خلال القانون".

الطابع الإلزامي لا يغنينا عن بعض المرونة لكي نضمن أن الجميع يطبق قرارات الاتفاق يتم فعليا على أساس عادل وبالتمويلات الضرورية، فيجب الأخذ في الحسبان وضعية كل دولة ومسؤولية كل دولة، مبدأ "التفريق" ها مأخوذ في الحسبان خلال المفاوضات الحالية والشيء نفسه مع آلية التمويل التي يجب أن تساعد البلدان الأقل تطورا وأيضا الأقل مساهمة في الاحتباس الحراري، على تطبيق الانتقال الطاقوي.

من جهة أخرى يتم التفكير في آلية لتقييم ومراجعة وتصحيح المسارات للحد من الاحتباس الحراري بمعدل درجتين 2° إلى نهاية القرن. ليس بهدف تأجيل المشكل للمؤتمرات القادمة وإنما لخلق موعد منتظم لضمان أن اتفاق باريس يحقق أهدافه المحددة في أرض الواقع وعبر الزمان.

المسؤولية التي على عاتق رؤساء الدول والحكومات الذين يفتتحون غدا الدورة 21 لمؤتمر الأطراف، تاريخية. أودّ أن اشكر الجزائر عن التزامها الكلي في مكافحة الاحتباس الحراري، فبلدكم يساهم بشكل فعال في نجاح الدورة 21 لمؤتمر الأطراف والتي يشترك في رئاسة مفاوضاتها السفير الجزائري أحمد جغلاف، كما أن الجزائر كانت من بين أول البلدان الأفريقية التي سلمّت مساهمتها الوطنية، يوم 5 سبتمبر الفارط، هي مساهمة طموحة وجدية تم تحضيرها خلال مسار استشاري واسع وشامل وفعال.

علينا أن نثبت تضامننا لحماية البيئة وحقوق الشعوب، فكما كان يقول الجنرال ديغول "يجب أن يحافظ الجميع على البيئة وإلا فسيندثر العالم"، لهذا فإن سفارتنا في حوار مستمر مع السلطات الجزائرية لتعميق تعاوننا وتنسيقنا حول هذه المسائل الحيوية.

من بين النشاطات التحسيسية المتخذة في بلدكم بشأن رهانات هذا المؤتمر، هناك عروض حول أخطار التغيرات المناخية، حوارات حول شخصيات كبيرة مثل نيكولا هيلو، جورج بيرنو مخرج حصة تالاسا أو جون كريستوف فيكتور، زيارات وزارية مثل زيارة الوزيرة سيغولان روايال وزيرة البيئة والتنمية المستدامة والطاقة، منتدى الشباب الذي انعقد في الجزائر من 26 إلى 28 نوفمبر 2014 شارك فيه أكثر من 250 شاب من عدة بلدان متوسطية بدعم من خبراء دوليين حول موضوع "المواطن الفاعل في التنمية المستدامة" بدعم سفارة فرنسا ومفوضية الاتحاد الأوربي. هذا المنتدى كان مثالا رائعا عن إمكانيات الشباب الجزائري الجمعوي، فهو لا يكتفي بالنشاطات البديلة والمفيدة أيضا كتنظيف المدن والشواطئ، بل أصبح قادرا على تقديم وتطبيق برامج مبتكرة، وبعد بضعة أشهر ابرز منتدى الشباب التونسي تلك الإمكانيات.

الشباب هم أول المعنيين بمسالة التغيرات المناخية، فمستقبلهم مهدد. يجب إذا الحرض على تمكينهم من المشاركة في هذه المبادلات حول البيئة، ولهذا تم تنظيم الدورة 11 للمؤتمر العالمي للشباب من 26 إلى 28 نوفمبر 2015 بباريس على هامش الدورة 21 لمؤتمر الأطراف، يشارك فيها حوالي 30 شابا جزائريا بدعم من هذه السفارة.

أنتم كمدافعين عن حقوق الإنسان ومناضلين جمعويين وسياسيين ومحامين ورجال قانون لديكم دور خاص من أجل إنجاح هذه النشاطات التي، كما أبرزه رئيس الجمهورية، تتطلب الكثير من الإخلاص، يجب التحرك بعزيمة وحس الاستباق والصالح العام لأن على الأجيال الحالية أن تقدم مجهودات لن ترى نتائجها، وأولئك الذين سيحكمون على أعمالنا لم يولدوا بعد، ولكنهم سيكونون حازمين في حكمهم، حتى وإن لن نكون هنا لسماعهم.

سيدي الرئيس،
سيداتي سادتي،

نعلم الآن أن منزلنا وكوكبنا تهدده أعمالنا، هذا الوعي تطلب وقتا طويلا ولكنه هنا الآن ومواطني العالم بأسره متيقنون بأنهم معنيون، علينا الآن التحرك بشكل عاجل، وللتحرك علينا أن نقدّر قيمة بيئتنا كامل تقديرها بأن نجعل بيئتنا كحق لا يمكن التنازل عنه وكملكية نفيسة لا يمكننا العيش إن لم نحافظ عليها.

يجب أن يكون للإنسان الحق في تنمية مستدامة تسمح له بالعيش والبقاء على المدي القصير والطويل، ولهذا فإن منظمة الأمم المتحدة وضعت مجموعة من الأهداف في التنمية المستدامة من شأنها أن توجه عملنا الجماعي خلال الحمسة عشرة سنة القادمة.

إن تمكننا من الخروج باتفاق فاعل، عادل وملزم في باريس، وأنا مقتنع بأننا سنتمكن من ذلك خاصة بفضل دعم الجزائر الثمين، فستكون بين أيدينا الوسائل الضرورية للتحرك بشكل دائم وملزم للحفاظ على البيئة وعلى الإنسان.

شكرا.

آخر تعديل يوم 14/12/2015

أعلى الصفحة